- ندوات إذاعية
- /
- ٠16ندوات مختلفة - إذاعة الشرق
مقدمة :
اللهم علمني ما ينفعني ، وانفعني بما علمتني ، ربي زدني علماً بهذا الدعاء، وبالصلاة والسلام على سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، نرحب أجمل ترحيب بلقاء جديد مع فضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي ، الأستاذ المحاضر في كلية التربية في جامعة دمشق، وحديثنا اليوم في برنامجنا : "الأسرة في الإسلام" حول: "العشرة الطيّبة" انطلاقاً من قوله تعالى في سورة النساء :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾
المذيع :
فضيلة الشيخ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته هنا أمرٌ بمعاشرة الزوجات بالمعروف ، وهذا الأمر اختص الله به الرجل هل يمكن أن نوضح أبعاد هذا الأمر ؟
واجبات الزوج في معاشرة زوجته :
1 ـ أن يحافظ على دينها ويُعرِّفَها بِرَبِها ويحملها على طاعة الله :
فضيلة الشيخ :
بسم الله الرحمن الرحيم ، ربنا سبحانه وتعالى يوجه الأزواج فيقول :
" وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا"
من المعاشرة الزوجية بالمعروف أن يحافظ الزوج على دين زوجته ، وأن يرعى سلوكها ، وأن يهتم بتوجيهها إلى الخير والفلاح فلا يدعها تستمرئ الاعوجاج أو تنحرف إلى المهالك .
أي إذا تحقق للزوج من زوجته حاجاته المادية ينبغي أن يوجهها فيُعرِفَها بربِها ، وهذا من وفائه لها ، أما إذا تركها على ما هي عليه من الجهل والانحراف وقضى حاجاته منها فقد خان الأمانة .
لذلك من أول واجبات الزوج في معاشرة زوجته أو زوجه وكلاهما صحيح أن يحافظ على دينها ، وأن يُعرِّفَها بِرَبِها ، وأن يحملها على طاعة الله عز وجل ، ليسعد في الدنيا والآخرة ، والذي يؤكد هذا الشيء قول الله عز وجل :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾
صورة رائعة لزوجين مؤمنين :
النبي عليه الصلاة والسلام أعطانا صورة رائعة لزوجين مؤمنين ، فقال عليه الصلاة والسلام فيما رواه أبو داود والترمذي :
(( رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى ثُمَّ أَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّتْ فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ وَرَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ ثُمَّ أَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فَصَلَّى فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ ))
إنها صورة رائعة لزوجين مؤمنين طائعين يتذوقان حلاوة الطاعة ، ولِذّة الإقبال على الله .
الحقيقة أخ زياد حينما يكون بين الزوجين انسجام ديني يسعدان سعادة ما بعدها سعادة ، أي أن يقضي كل منهما حاجته من الآخر هذا شيء يُمل وينتهي ، أما أن تكون هناك المشاركة في العقل وفي السلوك وفي القيم ، وهناك توافق وتناغم بين الزوجين فهذا الذي يؤكد هذه السعادة .
طبعاً هذه الناحية التوجيهية الروحية التي هي من أولى واجبات الزوج تجاه زوجته .
2 ـ أن يتزيّن الزوج لزوجته :
لكن بعض العلماء يقول : " ومن المعاشرة بالمعروف أن يتزيّن الزوج لزوجته " وقد تستغرب ذلك لأن الله عز وجل يقول :
﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾
إذا كان عليها أن تبدو أمام زوجها لطيفة المظهر فعليه أن يبدو أمام زوجته في هندام حسن ، لذلك يقول سيدنا الحسن رضي الله عنه : " هيئة الرجل لزوجته مما يزيد في عفتها " والإمام علي كرم الله وجهه يقول : " إن الله عز وجل يكره من عبده التميز" وابن عباس رضي الله عنه يقول : " إني لألبس وأتجمل لزوجتي فإن الله جميل يحب الجمال " .
هناك قصص كثيرة تؤكد هذا المعنى لكن كلها اجتمعت في قوله تعالى : " وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ " .
3 ـ ألا يزهد الرجل في زوجته وألا يهجر مضجعها :
ومن المعاشرة بالمعروف ألا يزهد الرجل في زوجته ، وألا يهجر مضجعها تبتلاً أو بدون سببٍ شرعي :
أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ الطَّوِيلُ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ:
(( جَاءَ ثَلاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا فَقَالُوا وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ أَحَدُهُمْ أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلا أُفْطِرُ وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي ))
هذه القصة تؤكد أن الإسلام واقعي وازن بين حاجات الجسد وحاجات الروح ، وازن بين القيم وبين الحاجات ، وازن بين ما أنت عليه وما ينبغي أن تكون عليه ، الواقعية هي سبب رقيّ المسلم، أما حينما يسلك المسلم سلوكاً ليس في منهج الله عز وجل فيدفع الثمن باهظاً .
المذيع :
هل يمكن لنا الانتقال إلى قول الله تبارك وتعالى :
" فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا "
هنا العشرة الطيبة مأمورٌ بها المسلم حتى على كراهة ؟
العشرة الطيبة مأمورٌ بها المسلم حتى على كراهة :
فضيلة الشيخ :
لأنه إذا أنجب أولاداً يجب أن يضع نفسه تحت قدمه من أجل أولاده ، وما كل زواج يبنى على الحب ، المؤمن له هدف كبير من زواجه ، هدفه تأسيس أسرة مؤمنة طيبة ، هدفه إنجاب أولادٍ صالحين ، هدفه دفع عناصر للمجتمع طيبة جداً ، فحينما لا تكون زوجته كما يتمنى عليه أن يصبر وأن يحتسب من أجل أولاده .
مرّ معي حديث لا أدري مبلغ تخريجه لكن مفاده أن النبي عليه الصلاة والسلام فيما روي عنه أنه قال :
(( أول من يمسك بحلق الجنة أنا فإذا امرأة تنازعني تريد أن تدخل الجنة قبلي قلت : من هذه يا جبريل ؟ قال : هي امرأة مات زوجها فأبت الزواج من أجل أولادها ))
الإنسان حينما يضع حظوظه من الدنيا تحت قدمه من أجل أولاده ، من أجل مستقبلهم ، فهذا عند الله عمل عظيم جداً ، فإذا كره الرجل امرأة عليه أن يصبر مراعاةً لحق الأولاد ، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول :
(( لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ أَوْ قَالَ غَيْرَهُ ))
ولعل الله عز وجل يكرم المؤمن بأولاد صالحين ، نجباء ، مصلحين اجتماعيين ، أولاد أعلام في المجتمع ، والله سبحانه وتعالى ما كان ليعذب قلباً بشهوة تركها صاحبها في سبيل الله .
المذيع :
وهل هناك أمر إلهي للنساء أن يصبرن على كراهية أزواجهن ؟
على النساء أن يصبرن على كراهية أزواجهن :
فضيلة الشيخ :
نعم هناك أوامر كثيرة لكن في القرآن الكريم قاعدة أن الأمر الموجه إلى الذكور ينسحب إلى النساء من باب التغليب : فإذا قال الله عز وجل :
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾
فهو يشمل النساء قولاً واحداً .
جاءت امرأة إلى سيدنا عمر رضي الله عنه فقالت : يا أمير المؤمنين إن زوجي صوام قوام - أي يصوم النهار ويقوم الليل - فقال عمر : بارك الله لك في زوجك - وكأنه توهم أنها تمدح عنده هذا الصحابي الجليل - عند هذا العملاق في الإسلام صحابي جليل اسمه كعب الأسدي قال : يا أمير المؤمنين إنها تشكو زوجها ، إنها لا تمدحه ، فقال له عمر هكذا فهمت من كلامها إذاً فاقض بينهما ، فقال كعب : عليّ بزوجها ، فقال له : إن الله قد أحلّ لك من النساء مثنى وثلاث ورباع ، فلك ثلاثة أيام تعبد الله فيهن ، ولها الليلة الرابعة فقال عمر: والله لا أدري في أي أمر أعجب أمن فهمك أمرها أم من حكمك بينهما ؟ اذهب فقد وليتك قضاء البصرة .
4 ـ أن يكون غيوراً على زوجته :
من المعاشرة بالمعروف أن يكون الزوج غيوراً على زوجته ليحميها من الدنس فيوجهها إلى ما يحفظ عليها شرفها وشرفه ، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم :
(( إِنَّ مِنَ الْغَيْرَةِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ، وَمِنْهَا مَا يُبْغِضُ اللَّهُ ، فَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يُحِبُّ فَالْغَيْرَةُ فِي الرِّيبَةِ ))
فيجب أن يغار الزوج وإلا فليس زوجاً .
المذيع :
أن تكون الغيرة بسبب ؟
فضيلة الشيخ :
بسبب : لها سبب مبرر ، وأما الغيرة التي يكرهها الله عز وجل فالغيرة من غير ريبة ، لا يوجد سبب ، لا يوجد عذر ، هذه غيرة مرضية ، والغيرة تصيب الرجال والنساء معاً ، هناك حد معقول منها وهناك حد مرضي غير معقول .
5 ـ أن يتحمل الأذى من زوجته :
لكن ألطف شيء قرأته عن هذه الآية ليست المعاشرة بالمعروف أن يمتنع الزوج عن إيقاع الأذى بزوجته بل أن يحتمل الأذى منها ، وقد قيل لبعض الصالحين : طلّق امرأتك فإنها امرأة سيئة ، قال : والله لا أطلقها فأغش بها المسلمين .
المذيع :
إنه يتحمل الأذى منها .
فضيلة الشيخ :
لِئَلا يغش بها أحد غيره .
قصة شريح مع زوجته :
القاضي شُريح هذا القاضي التابعي الجليل سأله مرة الفضيل : يا شُريح كيف حالك في بيتك ؟ قال : والله منذ عشرين عاماً لم أجد من زوجتي ما يعكر صفائي ، قال : وكيف ذلك يا شُريح ؟ قال : خطبت امرأة من أسرة صالحة فلما كان يوم الزفاف وجدت صلاحاً وكمالاً ، فصليت ركعتين شكراً لله على نعمة الزوجة الصالحة، فلما سلّمت من صلاتي وجدت زوجتي تصلي بصلاتي ، وتسلّم بسلامي ، وتشكر شكري ، فلما خلا البيت من الأحباب دنوت من زوجتي فقالت : على رِسلِك يا أبا أمية ثم قامت فخطبت .
قالت : أما بعد فيا أبا أمية إنني امرأة غريبة لا أعرف ما تحب ولا ما تكره ، فقل ما تحبه حتى آتيه وما تكره حتى أجتنبه ، ويا أبا أمية لقد كان لك من نساء قومك من هي كفء لك ، وكان لي من رجال قومي من هو كفء لي ، ولكن كنت لك زوجة على كتاب الله وسنة رسولي ، ليقضي الله أمراً كان مفعولاً ، فاتق الله فيّ وامتثل قوله تعالى : "إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان " ثم قعدت ، قال شريح فألجأتني إلى أن أخطب في هذا الوقت الحرج فقال : أما بعد فقد قلت كلاماً إن تصدقي فيه وتثبتي عليه يكن لك ذخراً وأجراً وإن تدعيه يكن حُجة عليك ، أحب كذا وكذا وأكره كذا وكذا ، وما وجدت من حسنة فانشريها وما وجدت من سيئة فاستريها .
النبي عليه الصلاة والسلام يقول : "إني أكره المرأة تخرج من بيتها تشتكي على زوجها " ، قالت كيف نزور أهلي وأهلك ؟ قال شُريح : نزورهم غباً مع انقطاع بين الحين والحين لئلا يملونا ، وفي الحديث الشريف : " زر غِبّاً تزدد حباً " قالت : فمن من الجيران تحب أن أسمح لهن بدخول بيتك ومن تكره ؟ قال : بنو فلان قوم صالحون ، وبنو فلان قوم غير ذلك ، قال : ومضى عليّ عام عدت فيه إلى البيت فإذا أم زوجتي عندنا فرحبت بها أجمل ترحيب ، وكانت قد علمت من ابنتها أنها في أهنأ حال ، قالت : يا أبا أمية كيف وجدت زوجتك ؟ قال : والله هي خير زوجة ، قالت : يا أبا أمية ما أوتي الرجال شراً من المرأة المدللة فوق الحدود فأدّب ما شئت أن تؤدّب ، وهذّب ما شئت أن تُهذّب ، ثم التفتت إلى ابنتها تأمرها بحسن السمع والطاعة ، ومضى عليّ عشرون عاما لم أجد ما يعكر صفائي إلا ليلة واحدة كنت فيها أنا الظالم .
وصية في الأدب من أبلغ الوصايا :
أخ زياد هناك وصية في الأدب تُعدُّ من أبلغ الوصايا ، امرأة حكيمة أوصت ابنتها يوم زفافها قالت : أما بعد فيا بنيتي إن الوصية لو تركت لفضل أدب تركت لذلك منك ، ولكنها تذكرة للغافل ، ومعونة للعاقل ، ولو أن المرأة استغنت عن الزوج لِغِنَى أبويها ولِشِدّةِ حاجتهما إليها لكُنتِ أغنى الناس عنه ، ولكن النساء للرجال خلقن ، ولهن خلق الرجال ، أي بنيتي إنك فارقت الجو الذي فيه درجت إلى وكرٍ لا تعرفيه ، وقرينٍ لم تألفِيه ، فأصبح بملكه عليك مليكاً ورقيباً ، يا بنيتي كوني له أَمَةً يكن لك عبداً ، أي بنيتي خذي عني عشر خصال تكن لك ذخراً وأجراً :
الصحبة بالقناعة ، والمعاشرة بحسن السمع والطاعة ، والتعهّد لموقع عينيه ، والتفقّد لموضع أنفه ، فلا تقع عينه منك على قبيح ، ولا يشم منك إلا أطيب ريح ، والكحل أحسن الحُسن الموجود ، والماء أطيب الطيب المفقود - هذه إشارة إلى أن لكلِّ إنسان رائحة عطرةٌ في جلدهِ فيكفي أن يتنظف أي النظافة وحدها عطر الحقيقة - والكحل أحسن الحُسن الموجود ، والماء أطيب الطيب المفقود ، والتعهّد لوقت طعامه ، والهدوء عند منامه ، فإن حرارة الجوع ملهبة ، وتنغيص النوم مغضبة ، والاحتفاظ بماله ، والرعاية على حشمه وعياله ، فإن الاحتفاظ بالمال من حُسنِ التقدير، والرعاية على الحشم والعيال من حُسنِ التدبير، ولا تُفشي له سِرّاً ، ولا تعصي له أمراً ، فإنكِ إن أفشيت سِرَّهُ لم تأمني غدره ، وإن عصيت أمره أوغرتِ صدره، ثم يا بنيتي اتقِ الفرح إن كان تَرِحاً ، واتقِ الترح إن كان فَرِحاً، فإن الأولى من التقصير ، والثانية من التكدير، واعلمي يا بنيتي أنك لن تصلي إلى ما تحبين حتى تؤثري رضاه على رضاك ، وهواه على هواك فيما أحببت وكرهت ، والله يختار لك .
هذه وصية من امرأة حكيمة أوصت ابنتها يوم زفافها ، الحقيقة لو طبقت النساء هذه الوصية لأغلقت المحاكم الشرعية أبوابها ، لأنه إذا عرفت المرأة حق زوجها وعرف حقها عاشا في وئام وسعادة ما بعدها سعادة .
خاتمة و توديع :
المذيع :
نسأل الله عز وجل أن يهيئ لنا من أمرنا رشداً ، ونسأله أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، أتوجه بجزيل الشكر لفضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي الأستاذ المحاضر في كلية التربية في جامعة دمشق على هذه المساهمة القيّمة في برنامجنا هذا .